21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.عزيز العنزي: لقد جاء الإسلام ليعصم الدماء، يستوي في هذا دماء المسلم والذمي والمُعاهد

01 فبراير 2016

لقد من الله على العالمين برسالة الإسلام الخالدة، تلك الملة الحنيفية السمحة الميسرة، التي لا عنت فيها ولا مشقة، والتي تنهى عن كل غلو وتشدد ورعونة، وتسع أمر الناس ما بين السداد والمقاربة، وتعدهم البشرى؛ جزيل العطاء في الدنيا وفي الآخرة.

   عن سماحة الإسلام ونبذه لكل مظاهر العنف، يقول فضيلة الدكتور عزيز بن فرحان العنزي، الداعية والمحاضر، إن هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده دين قائم على السماحة واليسر، قائم على الوسطية والاعتدال، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة: 143، الوسط هنا في هذه الآية يعني العدول الخيار، ذلك أن الوسطية ليست هي التوسط بين نقطتين، وإنما الوسط هو العدل، هكذا فسر علماؤنا الآية، وهكذا الإسلام دين قائم على الاعتدال، لا غلو فيه ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، ومن تأمل في القرآن والسنة، لوجد كل مظاهر الاعتدال والتوسط بينة ظاهرة، ووجد التطبيقات العملية في سيرة النبي لأوجه سماحة هذا الدين، سماحة دون ضعف أو تفريط.

  يؤكد فضيلة الدكتور أن شريعتنا شريعة يسيرة، في كل حكم وقضية، من جهة الاعتقاد والإيمان؛ عقيدة سهلة ميسرة تنساب في النفوس انسياب الماء الرقراق، لأنها عقيدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ليس فيها غمغمات، وليس فيها ظاهر وباطن، فبكل وضوح ومباشرة؛ ربنا واحد يأمرنا أن نعبده وحده ولا نسأل غيره، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} سورة الذاريات، لأجل هذا ليس بين العباد وبين الله وسائط، إذا أراد امرؤٌ أن يتوب إلى الله، لا يتوب عند شخص، وإنما يرفع يديه بكل سهولة ويستغفر الله.

 

كذلك في مسائل العبادات، نجد أن جملة التكاليف التي أمر بها الله عز وجل المسلمين كلها تكاليف محتملة، بمقدور كل مسلم القيام بها، فإذا وقع في مشقة وحرج، نقلته الشريعة إلى اليسر والسهولة والتخفيف.

أيضا في قضايا المعاملات بين الناس؛ الأصل فيها الحل والإباحة، يقول الله تعالى {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة: 275، كل أنواع المعاملات حلال، لم يحرم الله إلا المعاملات التي تجر مفاسد عاجلة وآجلة على الأفراد وعلى مجموع الأمة، فديننا وإن كان أباح المعاملات، إلا أنه وضع ضوابط حتى لا يظلم الناس بعضهم بعضا، ولا ينزلقوا فيما يغضب الله جل وعلا.

  وعن فتنة العصر التي أصابت بعض بلداننا الإسلامية، يؤكد الدكتور العنزي بشكل قاطع أن هذا الدين السمح يرفض العنف والغلو بكل أشكالهما، ويدعو إلى الرحمة والتراحم، بل إن الإسلام نفسه ما هو إلا رسالة رحمة أنزلت للبشر {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء:107، والمتأمل في تفاصيل حياة النبي، يجد أن الرحمة كانت حاضرة في كل موقف وحدث؛ كان صلى الله عليه وسلم رحيماً مع زوجاته، مع أصحابه، مع أبنائه، كان رحيما حتى مع الدواب والحجر والشجر، كان يخفف في الصلاة إذا ما سمع بكاء الصبي حتى لا يشق على أمه، وكان لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، وكان تعامله مع غير المسلمين في غاية الرقي والسماحة، وبعيد كل البعد عن الغلظة والإساءة للغير.

غير أن هناك قضايا معاصرة تشهدها أمتنا تتعارض مع هذه السماحة وهذه الرحمة؛ أولها قضية الغلو في الدين، إن الغلو يشوه وجه الإسلام الصبيح، وينكر سماحته، ويدفن يسره، هذا بالإضافة إلى أن الشريعة قد نهت عن إطلاق الأحكام على الناس بغير علم، والدخول في نيات الآخرين، كمثل أن يرمي مسلم أخاه بالكفر والخروج من الملة، يرى الشيخ أن هذه من أخطر القضايا التي ابتليت بها أمتنا، وترتب على شيوعها عواقب وخيمة، وبات بعض شبابنا يستهينون بها، ويتمادون في إطلاق الأحكام بالكفر والابتداع والردة على كل من لا يروق لهم أو يختلفون معه في مسائل فرعية يسعها الاختلاف، حتى سفكت الدماء، واستبيحت الأنفس من وراء هذه الجرأة وهذا التألي على الله، يقول الدكتور عزيز: "مصيبتنا الآن في تكفير المسلمين، لا في تكفير الكافرين"، بعض الناس بات شغلها الشاغل وقلقها الساهر هو التفتيش في نية الآخر، والجزم بكفره وانسلاخه من العقيدة، كيف وصلنا إلى هذا المنزلق؟ لن يسأل الله أحدنا يوم القيامة لماذا لم تكفر فرعون؟ وإنما سيسألنا : {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} القصص: 65.

لقد جر التكفير على المسلمين ويلات ومصائب، من إشاعة العنف، وإراقة دماء الناس بغير حق، وما من ضعف أصاب أمتنا إلا من وراء كلمة "كافر" وأشباهها.

يضيف الشيخ أن الإسلام جاء ليعصم الدماء، لا إراقتها، يستوي في هذا دماء المسلم، والذمي، والمعاهد، أقول هذا لأشير إلى أبعد نقطة، حتى يتنبه الناس أن دماء الخلق ليست رخيصة بمثل هذه الطريقة المؤسفة، ولمثل هذه المبررات التافهة، يقول ربنا جل وعلا { مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} النساء: 92، أي أنه ليس من المتصور ولا من المقبول أن يقدم مسلم على قتل أخيه عن عمد، لأجل هذا رتب الله على قتل النفس عقوبات قصوى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء: 93.

   إن شيوع مظاهر العنف والقتل يتنافى مع سماحة الإسلام، ولعلنا نسمع كل يوم أن بعضٍ من دول الغرب باتوا يتهمون المسلمين بالعنف والإرهاب لما يرونه من انحرافات تحدث من قبل بعض المسلمين هنا وهناك، إن قتل المدنيين تحت أي مسمى حرام، وهو من أظلم الظلم، نبينا نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام كان إذا أرسل جيشا محاربا، أوصى بألا تستهدف النساء ولا الرهبان والصبيان، وكان ينهى عن هدم الصوامع.

نحن اليوم نحتاج للرجوع إلى المبادئ الأولى للدين، ونتلمس سماحة الإسلام الحقيقية، وسط هذا الهرج، فهناك انفصال كبير بين العلماء وبين الشباب، وهناك من يتعمد تشويه صورة العلماء والحط من قدرهم، حتى يصرف وجوه الشباب عن المشايخ الثقات، فلا يجدون إلا مصادر مجهولة ومشبوهة تبث الشر والأذى من وراء الشاشات الإلكترونية، تفتي الناس بفتاوى القتل والترويع، فلا يعود يعلم المقتول فيما قتل، ولا القاتل لم قتل.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت